الكاتبة و الناقدة نور فهمي
2 قراءة دقيقة
01 Jun
01Jun

نقتبس فصلاً جديداً من رواية الكاتبة و الناقدة السينمائية المصرية نور فهمي الآتي :

"أجيد حياكة الخطر.. وأتلذذ بخيوط اعتقالي بين حوافه"
"تيه" ودود يحتضن بكارة قلبي..يداعب هواجس النضح باستحقاق مربك.
الروح تألف الضياع في رحاب الفوضوية..العقل ينفر ويثور،
يمتنع عن أي مشاركة طوعية.
يقاوم عبثية الحياة، مبررا بواعث الأقدار باستعلاء المنطق، وكبر الحقيقة المطلقة!!
الجسد مختل توازنه بين ضدين؛ روح تمرح وعقل يمنع..
يتشظى..يعلن عجزه بمرض ..أو ادعاء لجنون مؤقت.
سلطته، ترفسها الروح؛ كرفس أقدام طفلة حينما يحملها بغتة   أبيها!
تحاول عبثا إطاحته بتشنجات جسدها الثائر الغضوب.
تعلن رفضها بصوت  بكَّاء صارخ.
وكلما قاومت، ازداد تعنتا!
فتعلن في النهاية عن استسلام  "ثعباني"
 في مشهد هزلي، تبتسم له ممتنه..تجاريه في انتصاره المزيف، وتبادل قبلته بقبل..فيظن المسكين أنها أخيرا  امتثلت!
لتخف من ثم، قبضته المحكمة على جسدها،
 وإذا بها في غفلة منه، تنسلت من بين يديه!!

تنظر خلفها مرة، تلتقط مشهد عينيه الجاحظة المتحفزة.
تعلم أنه سيتمكن منها في نهاية الأمر؛
فتنطلق، لتغتصب التجربة  اغتصابا!
بات الآن على مسافة منها، تراقبه عن بعد ..معتقل هو..محجوب عن رؤيتها!
ولكنها على يقين بأنها لو استنجدت، سيكون أقرب إليها  من حبل الوريد!
تتلذذ بخيوط الخطر التي حاكتها بأيديها.. تنتشى بلذة
تحدي"شهواني" تجاه الألم..انقباضات وانبساطات، تحسس من رهبة الموقف، ترقب لتصفيق وصفير، دمج لمشهد سقوط مخزي، بآخر يعلن عن نقطة الوصول..
مزج لبهارات مشاعر مزدوجة!
يتخاذل طموحها، فتتعثر خطواتها، لتنتصر أخيرا سلطة العقل الأبوية، بعقاب آثم، يطال بكارة قلبها _طفلها_
ترتجف..تنهزم ..تنسحق في حضرة البراهين والمنطق والحجج
تتبخر حيلها،  تنبطح،  تنزوي!
 ثم ما إن تلوح لها  بوادر مغامرة جديدة؛ تنتصب قامتها بتحدي سافر، معلنة في وجه أبيها بعقوق :
إن ظننت عبثا أن عقابك يردعني، فانظر كيف سأنسخ من   التجربة..  آلافا!!

في عالم الأدب، يُعتبر الدمج بين النقد والإبداع الأدبي فنًا يتطلب إحساسًا عميقًا وقدرة على تحليل الخفايا النفسية للشخصيات التي يرسمها الكاتب. رواية نور فهمي تقدم لنا رحلة معقدة في أروقة الروح الإنسانية، حيث يتشابك تيه الفوضوية مع قيود العقل الصارمة. في هذا السياق، تكشف الرواية عن صراع داخلي يعيشه الفرد، يأتي في صورة تحدٍ شهواني يتمثل في خيوط الاعتقال التي تسجنه، إلا أنه يستمد منها لذته في آنٍ واحد.

تتجلى في هذا الفصل خصوصًا، العبارة "أجيد حياكة الخطر.. وأتلذذ بخيوط اعتقالي بين حوافه"، لتعكس لنا شخصية تحتضن الخطر وتعتبره جزءًا من تجربتها الوجودية. كما أن مفهوم "تيه" ودود يحتضن بكارة القلب، يظهر هنا بلون جديد، حيث يصبح بمثابة لعبة مثيرة تتشابك فيها العاطفة والفكر، لتبقى الروح في رحلة مستمرة بين التمرد والاستسلام، بين البحث عن الذات والانغماس في معانٍ أعمق للعقل والوجود.

الروح بين الفوضى والضياع: حياكة الخطر بتحدي

الروح تجد ذاتها في متاهات الفوضى والضياع، حينما تلامس تلك الخيوط الحادة والفاتنة التي تحيك بتحدٍ مغرٍ؛ وكأنها تعيش على شفا الهاوية حيث الحياة والموت يزدانان بمعاني جديدة. الروح ليست سوى ظل لنفسها عندما تواجه هذا المزيج المعقد من التعقيد والفوضى. إنها حالة من الترقب الدائم حيث "أجيد حياكة الخطر.. وأتلذذ بخيوط اعتقالي بين حوافه"، فتتحول هذه التجربة إلى رقصة على حبال مشدودة بين الشغف والانزلاق.

في هذا العالم المضطرب، تصبح الفوضى الموائل الطبيعي للروح، حيث تحتضنها تيه ودود، ويداعب هواجس النضوح باستحقاق مربك، وكأنها أصواتٌ خافتة تهمس للإرادة في الظل الخفي للوجود. كأن الروح تلعب لعبة الشطرنج ضد القدر، تخاطر بلا تردد كما لو كان وجودها يعتمد على تحدي الظروف التي تسعى لتقييدها. تجد في كل خطوة فوضى مضافة، وفي كل صدى للضياع لذة الانغماس بلا قيود.

وسط هذه الفوضى، لا تدرك الروح حجم الخطر إلا بعد أن تضع أول خيط في نسيج الضياع، حيث يتحد الماضي مع الحاضر ليخلق صورة جديدة. إنها ليست فقط لعبة للخطر، بل هي تجربة للذات، استكشاف للحدود والقدرات، اختبار للقوة والضعف، حيث تتحور القيود إلى أجنحة ترفرف في أفق بلا نهاية. في قلب هذه المعركة، تتحدى الروح الظلام، تخاطب العدم، وتتألق بالحنين إلى القوة الباطنة التي تجعلها تتحدى الفوضى دون خوف من الضياع.

تحليل رمزية الخطر والاستسلام في الرواية

في رواية الكاتبة نور فهمي، تظهر رمزية الخطر والاستسلام بعُمق ودقة تبرز مهاراتها السردية. يتجلى هذا الثنائي بشكل خاص من خلال العبارة المحورية "أجيد حياكة الخطر.. واتلذذ بخيوط اعتقالي بين حوافه"، حيث يظهر الخطر كفن وكتعبير عن السيطرة والتحكم، بينما الاستسلام يبرز كخيار واعٍ وممتع في بعض الأحيان.

الخطر هنا ليس مجرد تهديد أو عقبة، بل يُصور كفرصة للمغامرة واستكشاف الحدود الشخصية. يُستخدم كأداة للتعبير عن الذات وكتحفيز داخلي للتغلب على القيود. فحياكة الخطر تتطلب مهارات وتخطيط، وهو ما يعطي للشخصيات شعورًا بالانتصار والسيطرة على مصائرها، حتى وإن قابلها الاستسلام في نهاية المطاف. هذا الاستسلام لا يعني الضعف أو الهزيمة بقدر ما هو لحظة من الهدنة المؤقتة أو السلام الذاتي.

استسلام الشخصيات يصبح ذروة التطور في الرواية، وهنا يظهر التناقض الجذاب بين الخطر والاستسلام بوضوح تام. تُجسد هذه اللحظة برمز "ثعباني" متقمص لمشهد هزلي، حيث تبتسم الشخصية للرابط بينها وبين الخطر، منتشية بالإحساس المؤقت بالهزيمة التي تقودها إلى حرية روحية أعمق. الشخصية تُظهر قدرة عجيبة على الاستبصار بالمستقبل، حيث تعي جيدًا أن الخطر سيلحقها مجددًا، لكن متعتها في الانطلاق نحو التجربة الجديدة تكون الدافع الأساسي لتعزيز الاستمرار في هذه الدورة.

تتباين الرمزية في النص ما بين الخطر كعنصر من عناصر الحياة اليومية والاستسلام كضرورة للتقدم، مما يجعل من الحدث الروائي رحلة متكاملة تستحق الانغماس فيها لاكتشاف هذه الجدلية بين السيطرة والخضوع بكل تفاصيلها المعقدة.

صراع العقل ضد الفوضية: تراجيديا المقاومة

في أتون الصراع الدائم بين العقل والفوضوية، تتجسد تراجيديا المقاومة في تناغم درامي يحمل في طياته التحدي والمؤامرة. العقل، وهو قيصر الحقيقة، يقف في مواجهة الفوضى بوصفها تحدياً سافراً ومزعجاً لقواعده الراسخة. إنه يدرك خطر الفوضى ويدرك فتك خيوطها بالحياة المنظمة، بيد أنه يجد داخلها حافزاً لاختبار استحقاقاته في محاولة لمواجهة الطوفان الفوضوي. 

العقل يدعو إلى النظام والترتيب، في محاولة حثيثة للسيطرة على حركة الفوضى العشوائية. إنه قاموس المنطق والإقناع، العتاد الذي يزود به الذات لصد هجمات العبثية. لكن هذه المعركة ليست متكافئة دائماً، إذ أن الفوضوية تمتلك مهارتها الخاصة التي تجعل من مقاومتها مغامرة في حد ذاتها. العقل يعترف ضمنياً بتيه ودود يحتضن بكارة الروح حتى تتداخل الهواجس، تداعب بوتيرتها المتسقة نزعة النضج الغامض. 

في هذا السياق، تسير الفوضوية في عراكها، تتلألأ بلونها المتقلب الذي يُغضب العقل ويستهويه في آن واحد. إنه مشهد حيث تجتمع الرهبة مع سحر الفكرة المجنونة، مكان يتم فيه تحدي الحقائق الثابتة. في هذا الخضم، العقل يتراجع أحياناً، يترك مشهد المقاومة في لحظة كأنه يعلن عجزه أو يمارس خدعته الكبرى بادعاء الجنون المؤقت. 

تحتل هذه التراجيديا مكانتها كمساحة استكشاف وتحدي لما هو معتمد، حيث يتردد صدى الصراع في قلب من ينبض بين ارتجالات الروح وقواعد العقل الصارمة. في النهاية، تظل هذه العلاقة تعبيراً عن رحلة التوازن بين الرفض والانقياد، حيث ممارسة عبثية الحياة تتقاطع مع مسار العقل بثبات واستقامة.

استكشاف ثنائية الروح والعقل في بناء الشخصيات

تناول الرواية الثنائية المعقدة بين الروح والعقل في بناء الشخصيات، حيث تتجلى هذه الجدلية في صراع داخلي مستمر يخوضه الأبطال. يُمكن وصف الروح في هذا السياق بأنها كيان متمرد يتوق إلى الانطلاق والحرية، محتفٍ بالضياع في الفوضوية كما لو كانت رقصة أبدية في حضن الكون الواسع. تقدم الروح نفسها كعنصر موسيقي عشوائي، تتلاعب بالألوان والمشاعر لتكسر القيود العقلية التي يفرضها المنطق البارد.

من جهة أخرى، يتمظهر العقل كسلطة حامية وواعية للأقدار، يمتنع بشدة عن أي انغماس في العبثية، مُبديًا أحيانًا استعلاءً منطقيًا لا يتزعزع عن صوابية مطلقة. يتجسد العقل كحارس للواقع، يمنع الشطط في مسار الأحداث، ويمنح الشخصيات إطارًا واضحًا لا يمكن الفكاك منه بسهولة. هذا الصراع بين رغبة الروح في التمرد وسيطرة العقل على اتخاذ القرارات يُلقي بظلال التأمل والتفكير على الشخصيات، محاولاً فك شيفرة توازن هش.

الرواية تُعمق هذا الصراع من خلال تصوير أن الجسد يصير ضحية بين هذين الضدين؛ الروح التي تمرح دون قيود، والعقل الذي يمنع أي انفلات. تتشابك الأحداث لتبرز هذا الجدل، وتجعل من الشخصيات نموذجًا لحالة إنسانية شاملة، تتجلى في لحظات الانكسار والتمرد والتصالح المؤقت. كلما اشتد الصراع بين الروح والعقل، تبرز الشخصيات وكأنها تبتكر في كل مرة طرق جديدة للمضي قدمًا، مراوغة مفارقات الوعي الإنساني في رحلةٍ من التيه والتحدي. يعتبر هذا الاستكشاف عمقًا رمزيًا يُعطي الرواية بُعدًا فلسفيًا، ويضع القارىء في مواجهة مع أسئلة الوجود والحرية والقيود الشخصية.

المشاعر بين التمرد والاستسلام: رحلة البحث عن الذات

المشاعر بين التمرد والاستسلام تشكل نبض الصراع الدائم في رحلة البحث عن الذات. تظهر هذه الرحلة بشكلٍ جليٍّ فيما يعيشه الإنسان من تناقضات بين الرغبة في التحرر والانصياع لقواعد تُفرض عليه، سواء كانت هذه القواعد خارجية من المجتمع أو داخلية من قِبَل ذاته. يتجلى التمرد في التوق للانطلاق من قيد السكون الذي يفرضه العقل، والذي يتذبذب بين الرغبة في السيطرة والاستسلام للعاطفة. 

في اللحظات التي يتمكن فيها التمرد من انتزاع شرارة الحرية، ينبعث من الروح قوة تستمد من تيه شجي، يداعب عذوبة المشاعر ويجعلها تتراقص على أوتار البحث عن الذات. تتوالى اللحظات التي يختبر فيها الفرد حريته وأُفُلُها الفلسفية كلما تعمق في ذاته ومنحها فرصة الانفلات من كل ما يكبلها. ولكن، هذه اللحظات لا تلبث أن تتقيد بالأثقال الواهمة التي يصنعها الخوف من المجهول والحاجة للأمان، فتستسلم المشاعر إلى سكون العقل. 

في سياق هذا البحث المستمر عن الذات، تأخذ المشاعر شكل رحلة عبثية تتحدى فيها الذات الاستسلام، و تُعلن الثورة ضد التقاليد المتوارثة والقواعد الموروثة. يصبح هذا التمرد كحياكة لخطرٍ يتلذذ الفرد بخيوطه ويفككها واحدةً تلو الأخرى، مدفوعاً بصوتٍ داخلي قوي يصر على إيضاح الحواف الخفية للذات. 

تستمر هذه الرحلة، حيث يبقى التمرد والاستسلام كوجهين لعملةٍ واحدة، يظهران بصورة دورية في حياة الفرد، وليساهم كلٌّ منهما بطريقته في دفع عجلة البحث عن الذات وتحديد معايير الوجود الإنساني بعيداً عن الضياع.

تأثير المغامرة والتحدي في تطور الحبكة

تؤدي المغامرة والتحدي دوراً محورياً في تطور الحبكة داخل سرد نور فهمي، حيث تصبح كل خطوة محفوفة بالمخاطر وكل اختيار يمثل مقامرة. تتجسد المغامرة في شخصية البطلة التي تعمد دائماً إلى مخاطرة عاطفية ونفسية تعكس بحثها المستمر عن الحقيقة والحرية. تجذبها الطموحات المحفوفة بتحديات جمة، وتثور في داخلها مشاعر استكشاف المجهول، حيث يأتي "تيه" ودود يحتضن بكارة قلبها. تجد نفسها مراراً وتكراراً في مواقف محفوفة بالخطر، تعكس من خلالها الإدمان السري على جسارة التجربة، مما يضيف طبقات متعددة من المشاعر المتضاربة، التي تصبح الوقود الأساسي لتحريك الحبكة إلى الأمام.

التحديات تُستخدم بذكاء لتغيير دفة الأحداث والانتقال من حالة الجمود إلى حالة الحيوية والنشاط العاطفي. تدلي المغامرة بوعود زائفة في مشهد يعكس تواطؤاً بينها وبين المصير، إذ يُخدع العقل بالكثير من اللحظات التي تتطلب اتزاناً وإنصافاً، بينما يضطر للاستسلام أمام سيل التجارب. في تلك اللحظات، يتضح أن التحكم في دفة السفينة دائماً ما يكون بين يدي المغامرة المتأججة بقوة التحدي. تُسلط الضوء على وميض حقيقي للانتصار في خضم الفوضى، إذ يتخطى الحس المغامر حاجز المنطق ليجد في التحديات تربة خصبة لنمو شخصيته وتطورها.

وفي كل محطة من محطات الحبكة المفعمة بالتحدي، نجد البطلة في إطار مستمر من الصراع الداخلي والخارجي، تتلاعب فيها معايير السلطة بين العقل المتمرد والروح المغامرة، مما يبرز طبيعة الصراع الحيوي بين هذين القوتين في رحلة البحث عن الذات والاكتمال.

في الختام،

في نهاية هذه الرحلة الأدبية الشاقة بين الفوضى والعقل، نجد أن الصراع الأعمق ليس بين كيانات خارجية، بل هو داخل الذات ذاتها، بين تضاريس الروح المعطاءة وقوة العقل المسيطرة. الروح، رغم حبها للفوضى وضياعها في عوالم تستقي منها لذة الخطر، تعود دائمًا إلى نفسها، تبحث عن تلك الشعلة التي تضفي الحياة على مغامراتها. وفي مواجهتها لعقل يتشبث بالمنطق وصرامة الحقيقة المطلقة، تكتشف أن لا مناص من تلك الصيحة التي تعلنها كلما ظن العقل أنه انتصر.

لكن المغامرة لا تعرف الخاتمة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الذات. فكل تجربة جديدة، تُشعل الرغبة في التمرد من جديد. تنبثق الروح بتحدي واضح، وكأنها تقول للعقل "إن ظننت أن قدرك هو الفائز، فانظر كيف ستخلق التجربة من جديد." إنها حلقة من الكفاح المستمر، حيث تظل الروح والعقل في صراع طويل، لتشكيل حياة تتخطى حدود القيود، وتحطم أسوار الحواجز.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.